الخميس، 21 فبراير 2013

أحمد منصور يكتب : أزمة تونس وانعكاساتها على مصر




كنت أول من حاور رئيس الحكومة التونسية حمادى الجبالى بعد توليه منصبه، والتقيته قبل الحوار فى مقر مجلس الوزراء فى حى القصبة القديم فى العاصمة تونس؛ حيث كان يعقد أول اجتماع للحكومة وصلينا المغرب وبعدها اجتمعت به قليلا قبل أن يلحق بالوزراء، حدثنى عن آماله وطموحاته، وهو السجين السابق المطارَد من قِبل نظام بورقيبة وبعده نظام بن على، وأخبرنى بعدها أحد موظفى الحكومة الذين يعملون فى القصر منذ سنوات طويلة حينما أنهيت اجتماعى وأخذنى ليوصلنى للخارج أن هذه هى المرة الأولى التى يقطع فيها اجتماع الحكومة للصلاة، وكنت قد التقيت قبله رئيس الدولة الدكتور المنصف المرزوقى الذى عاد من المنفى لتولى رئاسة الدولة، ورئيس البرلمان مصطفى بن جعفر رجل الدولة الذى كانت له مواقفه داخل تونس خلال سنوات بن على، كما التقيت رئيس الحكومة الذى كان يديرها فى الفترة الانتقالية الباجى قايد السبسى وأجريت معه حوارا بدا فيه سياسيا محنكا ورجلا لم يفقد بريق الوجود فى قصور السلطة، كان المشهد متقدما فى التوافق السياسى والاجتماعى بين الأطراف المختلفة مقارنة بالثورتين المصرية والليبية، وكان تقسيم القوى وتوازنها بين القوى المختلفة شبه مرضىٍّ عنه عدا تظاهرات كانت تقف أمام البرلمان لاتحاد الشغل لها مطالب لم تتوقف منذ عقود، كما كان توافق التوانسة على مبدأ الدستور أولا وأن يتم الانتهاء منه خلال عام ونصف العام دافعا لنقاش طويل لدى المصريين بأن التوانسة قد سبقونا فى هذه الخطوة، غير أن استقرار الأوضاع فى تونس على هذا النحو كان يعنى أن الإسلاميين سيكونون فى المقدمة تليهم القوى والتيارات العلمانية الأخرى، وفى مسعى للملمة الشمل اجتمعت القوى العلمانية تحت تيار واحد فى محاولة للوقوف أمام التيار الإسلامى عديم الخبرة فى الإدارة كما كان تصلب القيادات الإسلامية فى بعض المواقف وبعض التعيينات له أسبابه التى أدت إلى تصلب الآخرين وإلى وصول «الترويكا» التوافقية إلى الطريق المسدود الذى وصلت إليه والذى أدى فى النهاية إلى إعلان رئيس الحكومة حمادى الجبالى استقالته لعدم قدرته على تشكيل حكومة تكنوقراط من غير الأحزاب كما وعد، فقوة الأحزاب ونفوذها هما الغالبان فى تونس، كما أن الهدف من كل ما حدث ليس مجرد تشكيل حكومة أو الدستور أولا أو البرلمان أولا، لكن ما يجرى فى مصر من عرقلة وإشاعة للفوضى وتأخير لمسيرة الديمقراطية وفتح الباب أمام التيارات العلمانية لمحاولة العودة من جديد على أطلال فشل لم يحدث للإسلاميين هو الشغل الشاغل لهم، وكأن الذى يحرك الفوضى فى مصر هو نفسه الذى يحرك الفوضى فى تونس، وسواء كان الدستور أولا أو الحكومة والانتخابات أولا فهذه مجرد مطالب للعرقلة، وإلا لماذا ما يحدث فى تونس يحدث مثله فى مصر رغم أن الثورتين مشيتا فى اتجاهين مختلفين فيما يتعلق بتحقيق الديمقراطية؟ ولأن الثورة قامت على «بن على» فقد جاءوا ببورقيبة ونصبوه صنما حتى يلتفوا حوله ويعيدوا بناء مشروعه الفاشل كمخرج لتونس من الوقوع فى براثن الإسلاميين المتطرفين، وهكذا يفعلون فى مصر؛ فعبدالناصر الذى أسقط الدولة المدنية الديمقراطية وأسس النظام العسكرى المستبد وأوقع مصر فى هزيمة كبيرة هى هزيمة عام 1967 التى كانت هزيمة للأمة ولم تكن هزيمة لمصر وحدها، يريدون أن يعيدوه معبودا للجماهير مرة أخرى.

العجيب فى تونس أنهم عادوا يتمسكون ببورقيبة كمنقذ وفى مصر عبدالناصر كمنقذ وكلا الرجلين هو السبب فى قيام الثورة هنا وهناك لأن كلا منهما وضع بذرة الاستبداد والظلم والفساد التى قادت تونس كما قادت مصر إلى ما وصلت إليه، ولأن حمادى الجبالى قد اكتشف أن الفساد متأصل فى السياسيين وأن المخرج لتونس هو حكومة تكنوقراط فقد أصر على هذا لكن السياسيين خذلوه، لذلك خرج وهو يعلن استقالته وقال: إن فشل مبادرتى لا يعنى فشل التجربة التونسية أو فشل الثورة، مؤكدا أنه ما زال يؤمن أن تشكيل حكومة من غير السياسيين هو الطريق الصحيح لإنقاذ تونس.

لا شك أن حالة تونس تختلف عن حالة مصر، لكن نجاح هاتين التجربتين لن يكون سهلا على الإطلاق؛ لأن المتربصين هدفهم الهدم الهدم وليس رؤية أى نجاح أو إصلاح.

0 commentaires:

إرسال تعليق